القول إن هناك أزمة هوية تعيشها المنطقة اليوم لا يحتاج إلى أدلة “غيبية” أو فلسفية؛ فيكفي أن نستعرض الواقع الصعب الذي يعيشه عديد أقطار عربية لنعرف الحد الذي تتمظهر فيه هذه الأزمة، والتعبيرات المتطرفة التي تتخذها.

وإن كان الدليل واضحا جدا، إلا أن الأسباب التي قادت إلى ظهور هذه الأزمة وتفاقمها تتعدد كثيرا، فمجمل ظروف قادت لتبلور الأزمة وتصعيدها، وصولا إلى التعبيرات الأكثر عنفا وخطورة، والتي أدت إلى تفكك أكثر من بلد في المنطقة، وتهديده بالتقسيم.

في سياق صعب ومعقد مثل الذي نعيشه، يطيب لتحليلات سياسية عديدة أن تلجأ إلى “نظرية المؤامرة” لتفسير الأحداث وإدانة قوى بعينها، وتحميلها مسؤولية الفوضى العارمة، وهو خيار لا نريد أن نستبعده، إلا أنه من المفيد أن نبحث “في داخل البيت”، عن أسباب ذاتية ساهمت هي الأخرى في تسهيل مهمة المتآمرين.

باستقراء ينطلق من النقد الذاتي، لا بد من التأشير على الحرية والديمقراطية، وهما الثيمتان الأهم الغائبتان عن منظومات الحكم في بلدان المنطقة، ما أسس لمجتمعات مرعوبة تسير بفعل الضغط، ولا تمارس خياراتها بحرية، الأمر الذي أدى إلى غياب العدالة والمساواة، ولتصبح أسس التقدم والنجاح؛ الفردي والجماعي، محكومة بمنظومة تبتعد عن المعايير الشخصية التأهيلية والتنافس الحر العادل، بل تتدخل فيها أمور أيديولوجية أحيانا، وفي أحيان أخرى العلاقات القرابية والموالاة للأنظمة، وغيرها من الممارسات التي أسهمت في تقسيم المجتمعات على أسس غير عادلة.

محاضرة المفكر العربي التونسي فتحي التريكي تأتي في إطار تحليل الممارسات السائدة في المنطقة، والتي قادت إلى تفاقم التمايز في المجتمع الواحد، وأدت إلى شيوع ممارسات تنتقص من المواطنة.

والتريكي، الذي يحمل درجة الدكتوراة في الفلسفة السياسية من جامعة السوربون الفرنسية، يعمل أستاذ كرسي اليونيسكو للفلسفة بجامعة تونس. وقد شغل العديد من المناصب الأكاديمية في تونس وخارجها، وله أكثر من 28 مؤلفا.

أصدقاء منتدى عبد الحميد شومان الثقافي، كونوا معنا في السادسة والنصف من مساء الإثنين 14 آب (أغسطس) 2017، في محاضرة المفكر التونسي د. فتحي التريكي “الهوية وعلاقتها بالديمقراطية والتعددية والحداثة”، يقدمه فيها ويدير الحوار مع الجمهور د. زيد حمزة.

*الدعوة عامة.